Published on 29 January 2013, by M. Tomazy.
لن أبثّ آلام شعب عربيّ مضطهد --و أنا أدّعي العلم-- بحال الشعب الفلسطينيّ و أنا منهم. يحار المرء أن يبدأ بفواتح الاضداد، أينطلق طرف لساني عن أهل غزة و المذابح الموسمية و حصارهم حتى باتوا يتقنون فنّ الحفر خلسة عن ذوي القربى و العدوّ. أم هل ستبرع ألسنتنا بوصف اللظى في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا و قبلهم اللاجئين الفلسطينيين في العراق الذين ضاق بهم العالم العربيّ من محيطه الى خليجيه لتعطف علينا البرازيل لإيوائهم. أم نبدأ في وصف اسر لاتملك ارسال أبنائها الى الجامعات و المدارس في الضفة الغربية و مخيماتها بسبب حصار مخطط له في واشنطن؟!، أم سنحسن وصف مخيم نهر البارد و عين الحلوة و نظرائهما في لبنان فيحرم الفلسطيني من حقوق الحيوان الاليف كرمى لعيون التوازن الديمغرافي الطائفي في لبنان.
الفلسطينيون ليسوا قدّيسين و لا مثاليين، لكنّهم شعب أغرّ في مجمله، فلم نستبدل الكوفية المرقطة و العقال العربي بقلنسوة أشكنازية، و لم تلحن ألستنا العربية بلكنتها الجنوب شاميّة بلسان الغزاة.
عندما يودّ الصهيوني أن يشتم الفلسطيني فأولّ ما يلهج به "انت عربيّ" و أول ما يكتبون على الجدران فيكتبون " الموت للعرب".
تناوب بعض العرب على تحميل مسؤولية تراجع القضية الفلسطينية اقليميا و عربيا للفصائل الفلسطينية المتناحرة. صحيح أن كلا من فتح و حماس يتحملان قسطا من المسؤولية لكنّ هو الجزء البارز في صراع محورين في المنطقة العربية، ما يسمى بمحور الممانعة و محور الاعتدال، و الطريف في الأمر أن من يلومهما من الحكومات العربية يغرق حتى ناصيته في تعزيز الانقسام و تغليب طرف على طرف.
لن تكون هناك أي ثورة أو انتفاضة عربية دون فلسطين، فلطالما نظّر العروبيون للوحدة العربية التي لا تكتمل الا بتحرير فلسطين، و قد بذل الكثيرون من منظّري الاسلام السياسي كراشد الغنوشي و يوسف القرضاوي قصارى جهدهم في التنظير للخلافة الاسلامية و لا أعرف عن أي خلافة دون القدس. و ها نحن نشاهد مدى الانتهازية و التلاعب في المصطلحات و الألفاظ تحت مسميّات ضرورات المرحلة و "فقه الأولويات"، فعلى سبيل المثال لم يكن الحكم الأخواني في مصر إلا وسيطا في أحسن الاحوال بين الفصائل الفلسطينية و اسرائيل إبّان اكتواء الفلسطينيين بلظى القذائف و الصواريخ الاسرائيلية.
و قد أسقطت حركة النهضة الاسلامية بند "تجريم التطبيع" مع العدو في دستور تونس الجديد، المقترح من أحزاب علمانية يسارية في تونس.
قال أبواق حكام الخليج في النظام السوري ما لم يقله مالك في الخمر، و ما من أحد يجادل في قمع النظام السوري و تسلّطه و كلّ ذي بصيرة و انتماء يعلم أن للنظام السوري ما له و عليه ما عليه، فالتقى الاخوان المسلمون و مشايخ الخليج و كتاب الدرهم و الدينار على صعيد واحد بحجة دعم الانتفاضة في سوريا التي هم بأنفسهم جعلوا كلّ لبيب و كلّ عربيّ غير مؤدلج ينظر بعين الشكّ و الريبة، إن لم يعارض أنصار تدخل الناتو في سوريا.
لم تردّ مجموعات الناتو في سوريا على القتل إلا بقتل و على القصف الا بسيارات مفخخة، فهم شركاء في سفك الدم و القتل بل أربأ بالنظام السوري أن يكون على شاكلتهم، حسبنا أنهّم يلتقون بالاسرائيليين لاسقاط النظام و يكفيهم عارا أن النائب الصهيوني من حزب الليكود و الوزير في حكومة شارون أيوب القرّا قد أخرج المظاهرات وسط تل أبيب نصرة لثورتهم.
أمّا في فلسطين فخيبة الأمل في الثورات العربية على وجوه الناس، فقد ظنّنا أن نهج مبارك تجاه فلسطين الى أفول و دور حرّاس أبار الغاز و النفط و خدّام البيت الابيض الى انحسار فإذ بيوسف القرضاوي يهدد و يرغب الشعب المصري بأموال حاكم قطر عند اقرار الدّستور المصري الاخير.قولوا ما شئتم في هجاء السلطة الفلسطينية -- و أنا معكم-- لكن لا تجوّعوا معلّم المدرسة باسم هوانها و ذلها للمحتل، فلم يوقف ياسر عرفات و لا محمود عبّاس الجيوش الجرّارة أو الصواريخ القادمة لتحرير فلسطين.