Views
Published by

على درب فلسطين

Published on 27 February 2013, by M. Tomazy.
انتهى حصار بيروت عام 1982 بخروج منظمة التحرير الفلسطينية الى تونس و عدن، كما أنّ بعض افراد المنظمة من عرب و فلسطينيين آثروا الانتقال لأماكن اخرى. إنّ اختيار العاصمة تونس و عدن و صنعاء و غيرهما  لنفي منظمة التحرير الفلسطينية كان مدروسا بعناية من قبل الولايات المتحدّة و موافقة أنظمة السمع و الطاعة في الدوّل العربية، حيث أنّ نظرة خاطفة على الخريطة لمدينتي عدن و تونس العاصمة تحمل في طيّاتها سببا مهّما في محاولة دفن النضال الفلسطيني لاستعادة ارضه ممثلا بفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، حيث أنه من غير الممكن أن تقوم حركة نضالية فلسطينية (جغرافيا) انطلاقا من المغرب العربي أو جنوب الجزيرة العربية. و بذلك فقد تمّ تحييد الجبهة اللبنانية بعد الجبهة الاردنية اضافة الى الجبهتين السورية و المصرية المحايدتين (غير المنخرطتين عسكريا) و الملتزمتان بخط الهدنة أو معاهدة كامب ديفيد على التوالي.
قام نضال الشعب الفلسطيني بجانب مناضلين عرب و عالميين منذ عام 1948 و حتى عام 1988 بجزئة الاكبر على أكتاف اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، و كانّوا بمثابة خزّان المقاومة (كما وصفهم الرفيق غسان كنفاني).
فاجأ الشعب الفلسطيني في الداخل العالم بانتفاضة هي الاولى في التاريخ عام 1987 حتى أدخل مفردة الانتفاضة في أسفار اللغات قاطبة، و الأهم أنّ الشعب الفلسطيني في الداخل تسّلم الراية من أشقائة اللاجئين المشتتين في اصقاع الدّنيا، و كانت الانتفاضة بمثابة وئد لمؤامرة نفي منظمة التحرير خارج دول الطوق حول فلسطين و تفكيكها عملّيا.
لا شكّ أنّ ياسر عرفات --رغم أخطائه غير المبررة-- و سائر القادة الفلسطينيين كانوا يتطلعون بتفاؤل و امل بل أنّ قلوبهم كانت ترنو الى فلسطين التي أخرجوا منها و قد تشتّتوا و قلّمت أظافرهم التي هي مسوّغ وجودههم في عين الشعب الفلسطيني و أحرار العالم من الجيش الاحمر الياباني الى المتطوعين العرب التي ما تزال شواهد قبورهم في  مدن جنين (العراقيون) و قلقيلية(الاردنيون) و غزة (المصريون) و طبريا (السوريون) و اسألوا اجدادنا عن اهل بنت جبيل و جبل عامل كيف احتضن الكرام اخوة لهم في كلّ شيء.
سأبرر لياسر عرفات أخطاءة القاتلة --رغم أنني لست عرفاتيا البتة-- لكنّ الرجل --للانصاف و هو ليس بيننا الان-- كان يراقب انتفاضة الشعب من منفاه في تونس و قلبه يرنو الى وطنه أو بالاحرى لجزء يسير من وطنه و قد حاصره العرب و الاعاجم في بيروت. كما قال محمود درويش اثناء الحصار : " عرب اطاعوا رومهم... عربٌ و باعوا" ،..." لا أحد إلّاك في هذا المدى المفتوح للاعداء و النسيان" ، و كان قد اسبق حديثه قائلا : "سقط القناع عن القناع" فتحطمت كل شعارات لاالتحرير و الدعم لقضية الامة و بالحد الادنى خذلت الانظمة العربية --جميعها-- المقاومتين اللبنانية و الفلسطينية على حدّ سواء، و قذفوا في البحر الابيض المتوسط ، ليتهم اكتفوا بذلك.. فقد أكمل اليميين الفاشي في لبنان المسيرة ببقر البطون في صبرا و شاتيلا حتى أن احد الجنود الاسرائيليين قال:"لقد شاهدت أحد الميليشيات المسيحية يشرب من دم فلسطيني" تقزّز الصهيوني من حراس أو أحرار الارز و الكتائب و القوات "غير اللبنانية". 
اعلن المجلس الوطني الفلسطيني الاستقلال (لفظيّا) في الجزائر عام 1988 بحضور كافة الامناء العامين للفصائل الفلسطينية ، و لا شكّ ان المفاوضات العبثية السرية كانت على قدم و ساق بين عرفات و الاسرائيليين، كان الرجل مستعدّا لفعل الكثير كي يعود الى فلسطين من منفاه و المنفى هنا ليس منفى عاديّا لانه لا قتال في تونس و لا أي شيء سوى المكاتب و البيانات غير المدعومة بالبارود من على مكاتب المنظمة في تونس.
انطلقت حركة المقاومة الاسلامية - حماس عام 1987 ، بعدما كان الاخوان المسلمون (و أنا شاهد على تلك الفترة) ينؤون بأنفسهم عن الانخراط في النضال لتحرير فلسطين --و من باب الصدق دائما-- كانت انطلاقة الحركة عارمة و قوية و تأسست لجنة المتابعة الفصائلية المشتركة لتعلن للجماهير فعاليات الانتفاضة و تصفية العملاء واحد تلو الاخر.
عاد عرفات في التسعينات من القرن الماضي الى فلسطين مكبّلا باتفاقيات مدريد و اوسلو ظانّا ان عودته ستكون موطئ قدم لاكمال المسيرة و الانطلاق من على ارض فلسطين كي لا يطرد للمرة الثالثة او الرابعة أو الخامسة على التوالي بعد مصر و الاردن (بعد ايلول الاسود) و لبنان. تشكلت السلطة الفلسطينية لتكون نظاما عربيا مصغّرا في فلسطين مرهونة بتمويل خارجي صرف كحد السيف على رقاب الفلسطينيين عندما يتمردون على الحاكم العسكري الاسرائيلي، و أنشئ جهاز بيروقراطي متخم و انتشر الفساد الاداري و المالي و ظهرت طبقة لم يعرفها الشعب الفلسطيني قط ممثلة برجال الاعمال الذين اقترنوا بالفاسدين من السياسيين.
عاقب الشعب الفلسطيني السلطة بانتخاب حركة اسلامية أظهرت جدارتها في المقاومة و تعاطف معها العلماني قبل الاسلامي (أخبرني الكثير من عناصر فتح انهم انتخبوا حركة حماس عام 2005).
 حوصرت حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بقيادة اسماعيل هنية من قبل جورج بوش الابن و شارون، في حصار غير معهود حتى أن البنك العربي (سادس اكبر شبكة مصرفية في العالم) امتنع عن التعامل معها بعد تهديدات و قضايا بتهم تمويل الارهاب. و اشتركت الحكومات العربية بقيادة محور آلسعود-مبارك في الاطاحة بالحكومة المنتخبة حتى انقسمت الحركتان و انخرطتا في صراع دموي عام 2007 في غزة.
صُب الرصاص على الفلسطينيين عام 2008 و كما في حرب تموز عام 2006 وعلى عكس "المغامرون" الاشاوس في لبنان الذين وجدوا بعض ظهراء في طهران و دمشق و المتن اللبناني، أمّا في فلسطين فلا ظهير سوى الحصار من الخلف و البحر يحنو على الشواطئ محروسا بالبوارج متعددة الجنسيات الا العربية و من فوق الشعب الحمم أما من الامام فلا ترى سوى المدافع و قوت النخبة المرعوبين حقا من دخول جحيم لا قبل لهم فيه.
جاء الربيع عام 2011 و البقية سبقت هذه السطور في "بوح من فلسطين".