Views
Published by

ظاهرة القرضاوي

Published on 23 March 2013, by M. Tomazy.
رأي | 
لا يمتلك السوّاد الاعظم مَلَكة مراجعة المسار و التمّعُن في الموقف، هذا إن كان الفرد حُرّاً ينطلق من قناعاتٍ ذاتيّة محضة، أمّا إن كان مدفوعاً بالهوى و زينة الحياة من المالِ و البنين و الزّيجات المتعددة فبتأكيد من السهولة بمكان اختلاق الأعذار و التبريرات حتى و إن لم تكُ مقنعة للجماهير.

إنّ ظاهرة القرضاوي بمسميّات مختلفة كـ "شيوخ الناتو" أو "شيوخ البترودولار" لا تحتاج إلى تبيان أمرها خصوصاً أنّ الجماهير العربية و المسلمة تمتلك من السليقة و الحكمة الكافية للحكم على "النخبة" أكانوا رجال دين أو مثقفين أو كتبة.

سرعان ما تبدّدت هالةُ قناة الجزيرة حول القرضاوي تحديدا منذ مباركته قصف الاجواء الليبية بتحالف الناتو-حكومتي قطر و الإمارات، حيث يمكن التمييز بوضوح بين نظام العقيد القذافي القمعي و الواجب السقوط و بين التحالف مع قوى لم ترد يوما الخير للعرب و المسلمين، أمّا حجة "الضرورات تبيح المحظورات" و حقن دماء العرب و المسلمين بواسطة طيران الناتو الغربي فسأدعها للمفكر العربي عزمي بشارة ليشرحها على هيئة سؤال و جواب أو بديباجة فلسفية عميقة باستطراد بين العنوان و المضمون.

لسانُ حال "ظاهرة القرضاوي" تمثّل مسار جماعة الأخوان المسلمين في العالم الاسلامي، و أنّى شئتَ أن تدرسها فستدرك التناقض العريض بين النظرية في طيّات الكتب و السلوك السياسي على الواقع.
اسلاميّا، لا ينصرُ الله سبحانه و تعالى أتباعه المؤمنين و المؤمنات المتحالفين إمّا مع الطغاة أو الاعداء المبيَّنين في كتابه المحفوظ. 
للذكرِ لا للحصر، نتذكَر أن اخوان-سوريا تحالفوا مع عبد الحليم خدّام --الذراع الأيمن لحافظ الاسد -- و الذي أذاق السوريين الذلّ تلو الآخر بالاحتكار و استغلال المنصب للترّبح، أمّا فرع العراق فقد تحالف مع اياد السامرّائي و أحمد جلبي و إيادّ علاّوي في حلف معارضة لندن العراقية قبل اسقاط نظام صدّام حسين.

أمّا في مصر المفترض أن تكون الأمّ الرؤوم للعرب أجمعين فحدّث و لا حرج، فعلى صعيد فلسطين فإنّ الاخوان المسلمين لم يحيدوا عن نهج مبارك في كامب ديفيد و التحالف مع فرعهم في فلسطين على حساب الحركات الليبرالية و اليسارية الفلسطينية ممّا عزّز --عن قصد أو غير قصد-- الانقسام السياسي في جسم التمثيل الفلسطيني سياسيّا و نضاليّا و جغرافيّا.
و على الصعيد السّوري فتحت حكومة الاخوان المسلمين أبوابها للمعارضة السورية الخارجية --و بعيدا عن التجميل-- المدعومة غربيّا لاسقاط النظام السوري. و للذّكر أيضا فقد اتخذ الإئتلاف السوري للمعارضة من القاهرة مقرّاً له و استبعد ممثلي النظام من القاهرة، هذا عوضاً عن لمّ شملِّ السوريين نظاماً و معارضةً للتفاوض بالحدّ الأدنى ، فقد فاوضَ العربُ أعداءَهم دهراً من الزمن دون جدوى في ظلّ التطهير العرقي للفلسطينيين!
و لا يخفَـى التحالفُ الاخواني-القطري في العالم العربي تحت مسمّياتٍ وهمية كاذبة، و من باب فاقد الشيء لا يعطيه فإنّ الشيخ حمد بن جاسم سيدعم الشعوب العربية في تحقيقِ الكرامة و العزّة ضد النظامين "النصيري" و "الرافضي" في سوريا و العراق و لا بأس أن نضيف حكومة "حزب الله" في لبنان لأنها موغلة في دم الشعب السوري --على حدّ وصفهم--.

دكتاتورية نظام الأسد لا تنفي عنه ملكة الحجّة و المنطق حينما قال --في خطاب الاوبرا الهتلري المسجّل على رأي البروفيسور غسان شبانة و الكاتب ياسر الزعاترة على التوالي-- بما معناه :" دلّوني على مفكر للثورة" و أسهب في سرد حجج التفكير و الذبح على الهوية.

حرّض الجسمان السلفي و الأخواني على الشيخ محمد رمضان البوطي بوصفه داعما لنظام الأسد --بعدما كان رحمه الله (في نظر اخوان-سوريا) حجة من حجج الاسلام لأنه وقف في وجه حافظ الاسد ناقدا عقب أحداث حماة في الثمانينات من القرن الماضي-- و وصفه القرضاوي "بقلة العقل" و "الخرف" .. والخ

كما أنّ التاريخ الاسلامي لا يخلو من سفك الدماء --المسلمين بعضهم ببعض-- منذ فجر الاسلام، و أنا هنا ناقد مسلم سنّي، فقد قٌـتِـل ثلاثة خلفاء راشدين (عمر و علي و عثمان رضي الله عنهم جميعا) من أصل أربعة، أي ثلاثة أرباع الخلفاء المبشرين بالجنة قد ماتوا قتلاً. ناهيك عن قتل حفيد رسول الله (صلى الله عليه و سلم) الذي قُـتل في نزاعٍ على السلطة مع أبناء أبي سفيان (الطلقاء في فتح مكة)، أي الذين اسلموا بواقع الحال و ليس رغبة بالدين الجديد، ليدشنّ معاوية أوّل نظام وراثيّ اسلاميّ، و يذكر التاريخ ابن المقفع و ابن رشد و احمد بن حنبل و بشار بن برد و غيرهم الذين إمّا قتلوا او اضطهدوا بتهمة "الزندقة".

و لأنّ التاريخ يعيد نفسه، قُـتلَ الشيخ محمد رمضان البوطي في المسجد، و لا بدّ من دباغة الجُـْرح بالملح فَـيَتّهِـمُ أنصار الناتو نظامَ بشّار الاسد بقتله للتخلص منه على شاكلة غازي كنعان و محمد الزعبي.
 إنّها حروب البروبغندا التي لا تُبقي و لا تَذر، و آخرُ ما تكترثُ له هي الاخلاق و المواثيق و الرّصانة .
يقول القرضاوي بُعيْـدَ مقتل الشيخ البوطي :"“لا يدخلها إلا أتباع النظام،” ولمّح إلى إمكانية تصفيته خشية تبدل مواقفه المؤيدة لنظام الرئيس بشار الأسد وتحويله لدعم “أهل السنة.”