Published on 01 May 2013, by M. Tomazy.
رشاد أبو شاور - القدس العربي
الحملة على حزب الله ليست جديدة، وهي لن تتوقف، وستستمر ما دام حزب الله موجودا وقويا وحاملاً لراية المقاومة، ومشهرا سيفه عاليا في وجه عدو الأمة الذي يحتل فلسطين.
حزب الله وهو ينتصر على الاحتلال، ويكنسه من بيروت، ويطارده على آخر حبة تراب من أرض الجنوب، اكتسب إعجاب ملايين العرب، والمسلمين، واحترام الشعوب الكارهة لأمريكا والكيان الصهيوني.
أرض الجنوب امتزجت بدم الفدائيين الفلسطينيين، والمقاومين اللبنانيين، وأهل الجنوب الكرام الذين وقع بهم وعليهم من المحتل الصهيوني ما لم يقع على غيرهم في بلاد العرب، تحملوا صابرين بكبرياء، وبإيمان عميق وأصيل تواجد الفدائيين الفلسطينيين بينهم، دون منّة أو تذمر، كونهم وحدهم قد بقوا لسنوات وحيدين في الميدان، وما زالوا على العهد، وبفضل الثقافة التي جسدها حزب الله، وقياداته الصلبة الثابتة على المبادئ.
عندما انسحب جيش العدو الذي لا يقهر هاربا تاركا خلفه دباباته ومدافعه وعملاءه في عام 2000 بقيادة جنرال الإجرام باراك، شكك أعداء حزب الله، وهم أنفسهم أعداء المقاومة، فلسطينية كانت أم لبنانية أم عراقية، بذلك الانتصار الواضح غير المسبوق، ليبخسوا حزب الله حقه في تحقيق الانتصار، هو الذي استحق التقدير والاعتزاز عربيا وإسلاميا.
كان انتصار حزب الله محرجا (لعرب) أدمنوا الهزائم، وارتضوا بها، ولهم بها مصلحة، ولعلهم انزعجوا عندما اعترف العدو بالهزيمة، في حين عزّ عليهم أن يباركوا للبنان بانتصار مقاومته التي عنوانها حزب الله قائد الانتصار التاريخي على عدو الأمة، ذلك الانتصار الذي جعل لبنان مخوفا بقوة مقاومته، بعد أن كان يباهي بأن قوته في ضعفه!
حزب الله انتصر في معارك صغيرة متتالية تلاحقت على أرض الجنوب الطاهر، قبل الانتصار الكبير المؤزّر في تموز 2006، وبهذا الانتصار أقرّ الكيان الصهيوني وقادته العسكريون، وإعلامه، وساسته..فقط عرب الهزيمة أنكروه لأنه يحرجهم، ويفضح عجزهم المزمن.
حزب الله لا يملك ترسانات أسلحة مشتراة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا بمليارات الدولارات، فهو انتصر برجاله المؤمنين المسلحين بأسلحة متواضعة، ولكن بكثير من الإيمان بحق الأمة في الحرية، وهو ما اقتضى الاستعداد، والثقة بحتمية الانتصار على العدو الصهيوني المتغطرس.
أسلحة بمليارات الدولارات: طائرات، دبابات، صواريخ.. ولكن لمعركة لن تقع مع من يحتل فلسطين!
أسلحة بالمليارات تشترى سنويا، وتعد لمهاجمة إيران، خدمة لاستراتيجية أمريكية عدوانية تستهدف الأمم والشعوب القريبة والبعيدة، وبأموال النفط العربي، وبتوظيف الموقع الاستراتيجي للجغرافيا العربية!
أسلحة بالمليارات، بينما فلسطين ومقدساتها ترسف في قيود الاحتلال الصهيوني، بالرعاية الأمريكية لاعبا دور الذراع الضارب لها في (المنطقة) المستضعفة بسبب هذه الأنظمة الهزيلة المحكومة بأتباع لا ينتمون لطموحات الأمة، ويرون في كل مقاوم عدوا يتهدد عجزهم، ويفضح ارتباطاتهم، ويدين سفههم في تبذير أموال يفترض أنها تعود للأمة كلها، وليس لمجموعات حاكمة تشتري حمايتها وأمنها من أعداء الأمة.
جنوب لبنان الذي يعيش فيه الجنوبيون الشرفاء متداخل جغرافيا واجتماعيا بشمال فلسطين، وعلى أرضه مقاومون ابتدأوا كفاحهم وجهادهم الحقيقي منذ اندفعت قوات شارون واقتحمت قلب بيروت المدينة العربية العريقة، عاصمة دولة لبنان، في العام 1982.
أبناء حزب الله انتفضوا، وشرعوا في القتال لتحرير عاصمة وطنهم، وفي نفس الفترة اندفع أبطال القوميين السوريين، والحزب الشيوعي، ومنظمة العمل، والناصريون (المرابطون)، فكانت مسيرة المقاومة اللبنانية المظفّرة التي ما زال حزب الله يرفع رايتها عالية، ويده على الزناد، باثا الخوف في نفوس قادة الكيان الصهيوني، وجيشه الذي قهر، والذي أدخلت صورايخ حزب الله مئات ألوف ساكني كيانه في الملاجئ لأوّل مرة منذ إنشائه عام 1948، في حرب تموز 2006 .
وجد حزب الله من يدعمه، ولم يجد الشيوعيون، والقوميون، والناصريون، وبقية المقاومين من يمدهم بالمال والسلاح.. فهل ذنب حزب الله أن إيران تدعمه؟ أين مليارات النفط والغاز (العربي)؟! وعلى ماذا ينفقها المبذرون؟!
هل يمدون شعب فلسطين العربي ـ غالبيته مسلمون سنّة!! ـ بالمال ليصون القدس، ويجذّر حضوره فيها، فيذود عن مقدساتها، وفي مقدمتها المسجد الأقصى، وقبة الصخرة المُشرّفة؟
فلسطينيو مخيم اليرموك، والسبينة، وخان الشيح، وحندرات، والرمل.. مسلمون سنّة، فلماذا يتم احتلال مخيماتهم، وتشريدهم، واستباحة ممتلكاتهم، ودمائهم؟! وممن؟ من سنة يبشرون بالدولة الإسلامية، وبالخلافة..وهؤلاء مدعومون نفطيا من دول سنيّة (شكلاً) وادعاءً!
من يصرخون هذه الأيام: يا لثارات السنّة..لماذا لا يشمرون عن أيديهم، ويمتشقون السلاح: حي على الجهاد، فليبدأ الزحف لتحرير بيت المقدس!!.
لماذا هؤلاء عندما احتلت بيروت، واجتاح الصهاينة لبنان، لم يرفعوا عقيرتهم، صارخين: حي على الجهاد؟!
هل الخيانة والوطنية يحددها الانتماء لطائفة؟ السادات الذي باع مصر، والعرب، وبيت المقدس..من أي طائفة؟ هل فعل ذلك لأنه سنّي؟ بالتأكيد لا، ولكن لأن خياره كان السير في ركاب أميركا، ولذا أدار ظهره للعرب والعروبة، وفلسطين، ولتاريخ مصر التي انطلق من أزهرها صوت جمال عبد الناصر هادرا ممتلئا بالإيمان عام 1956: الله أكبر..حنحارب. فمن السني، ومن المسلم الحقيقي الصادق، ومن العربي المخلص لأمته، المضحي بالدم والمال: هل هم حكّام السعودية، أم أبطال حزب الله؟!
قبل عدّة أشهر وضّح سماحة السيد حسن نصر الله وضع القرى اللبنانية المتداخلة مع قرى سورية، بسبب عدم تخطيط الحدود بين البلدين، وهي قرى سكانها لبنانيون، يعيشون منذ سنين بعيدة على ثراها، يزرعونها، ويبنون بيوتهم فيها، وتحت بيوتها يتناسلون، ويواصلون عيشهم البسيط، وهم من شتى الطوائف، وإن كانت الأكثرية مسلمة من الطائفة الشيعية.
التحرش بهذه القرى بدأ مبكرا، لأن من دُفع بهم لتفجير الفتنة الطائفية في سورية، شرعوا في تنفيذ برنامجهم بقصف تلك القرى، وقتل القرويين، ومداهمة بيوتهم، ونحن شاهدنا على الفضائيات المحترمة المنصفة وقائع ما يحدث، وما تكرر حدوثه خرابا، وقتلاً، واستباحةً، وكل ذلك لاستدراج حزب الله للدخول في معركة حذّر من جحيمها وجنونها، ونأى بنفسه عنها!
هل ننسى تركيا المسلمة السنيّة التي تؤجج النيران بفتح الحدود للمسلحين عامدة متعمدة، هي التي تأخذ الثمن من عرب النفط لقتل عرب آخرين هم عرب سورية سنة وشيعة وعلويين ومسيحيين من كافة الطوائف المسيحية. ألا تفضح عملية اختطاف المطرانين الجليلين يوحنا إبراهيم وبولص يازجي مخطط الفتنة الذي تنفذه أيد آثمة مجرمة؟
حزب الله لا يشارك في الاقتتال داخل سورية، ولكن أبناء القرى اللبنانية المتداخلة مع قرى سورية يدافعون عن بيوتهم وأسرهم وكرامتهم، ويتصدون لمن يستهدفونهم، أم يراد منهم أن يهجروا قراهم ويتركوها للقادمين من تونس وليبيا واليمن والشيشان؟!
ثمة سؤال يُمكننا من التمييز بين أي فرد وفرد، وحزب وحزب، ودولة ودولة، وحاكم وحاكم: هل هو مع فلسطين فعلاً؟ هل هو مقاوم للكيان الصهيوني؟ هل هو في مواجهة مع الهيمنة الأمريكية؟
فلسطين دائما كانت وستبقى هي الحد الفاصل بين الصادقين المخلصين للأمة والكذبة الأدعياء، وستبقى البوصلة.
حزب الله لا يحتاج لمن ينزهه، فدم رجاله وأهله على أرض لبنان، ولا سيما الجنوب المتداخل بفلسطين، هو الذي بوّأه مكانته، ومنحه كل هذا الحب والاحترام لبنانيا، فلسطينيا، عربيا شعبيا، إسلاميا، وحب وإعجاب كل المعذبين في الأرض.